السبت، 17 أغسطس 2013

المرجعيات الدينية بين وحدة المفهوم وتشتت المصداق !




من أهم ما يميز المذهب الجعفري المبارك عن غيره من المذاهب الأخرى هو فتح باب الإجتهاد القاضي بإستخراج الجعل الشرعي من الأدلة التفصيلية وفقا لما يسمى بعملية الإستنباط وبذلك يكون المجتهد الممول الأصيل للعوام بأحكام الشريعة ومواقفها العملية . ولا شك بأن المجتهد لا بد له من ضوابط أخرى كالبلوغ والعدالة والأعلمية وغيرها تسمح له بالإفتاء للغير ويكون بذلك الحجة والمرجع والنائب العام للإمام المعصوم عليه السلام . والمرجعية الدينية ليست مجرد حاجة وضرورة ملحة فحسب ، بل هي قوام المذهب الروحي والفكري وبها يحتفظ المذهب ببقائه وجوهره . لذا من الضرورة التي تصل إلى حد البداهة أن يعتني الفرد والمجتمع بهذا التشكيل المقدس ويجهد نفسه في أن يضع إصبعه على المكان الصحيح .
وقبل أن أدخل في صلب الموضوع ينبغي الإلتفات جيدا إلى أن الحديث عن هكذا أمور لا يعني التجاوز والقفز على مقام المرجعية المقدس بل إننا واضعين نصب أعيننا الحديث الشريف ( الراد عليه  - المرجع - كالراد على الله وهو على حد الشرك سواء ) . كل ما في الأمر إن الله سبحانه وتعالى امرنا أن نأخذ الدين بالعقل وبالتالي كل ما يترشح من مواقف يجب أن يكون للعقل القول الفصل فيقبل ما يقبل ويرفض ما يرفض مستعينا على ذلك بإرث الإسلام الخالد من أدلة وشواهد . أي إننا في الوقت الذي نقدس فيه مقام المرجعية ، أيضا لا نسمح لأنفسنا وعقولنا أن تتورط في الغلوّ والجهل المطبق الذي لا يسمح بالتفكير والتحليل والتدبر فنكون من الخاسرين . فكم من مغالّ بمن هو أفضل وأقدس وأكمل من المرجع لم ينل من غلوّه إلا الخسران والهلاك ! ولنا فيمن غالى بسيد الأوصياء وإمام الأتقياء أمير المؤمنين عليه السلام خير شاهد . إذن علينا أن نتدبر في الأمور والإختيار والتقييم لأن المسألة في الواقع هي مصير دين الإنسان فأما جنة النعيم أو النار والحميم !
ما أريد أن أذكره في هذه العجالة متعلق بمسألة مخالفة للعقل والشرع والذوق والأخلاق ألا وهي التفرقة والتشتت الحاصل في الكيان المرجعي . والمؤسف جدا هو إن المرجعيات تدعو بالخطاب الوحدوي ناسية نفسها بذلك ! ولا أعلم كيف يطالبون بوحدة المذاهب أو وحدة السياسيين أو أي وحدة أخرى وكل منهم يدعي لنفسه الأعلمية والأرجحية ! لا ينخدع احد بوحدة المرجعيات وإنها على إتفاق لأن لو كانوا كذلك لما تصدّوا لإصدار الرسائل العملية الخاصة بهم . فهم بفتواهم يحكمون على أنفسهم بأنهم غير متفقين وذلك لأن كل مجتهد عندما يطرح رسالته العملية فهذا إشعار منه لتقليد الآخرين له معتقدا بذلك إنه الأعلم والعمل بفتاويه مبرئ للذمة . ومن شاء التأكد فليطالع رسائهلم العملية ( حفظهم الله ) باب الإجتهاد والتقليد وسيجد ما يشير إلى معنى ( وجوب تقليد الأعلم ، حرمة الإفتاء على من لا يعتقد بنفسه أعلما  قاصدا من ذلك عمل الغير بفتواه  ) وقبل هذا الباب أي في أول صفحة من الرسالة العملية تجد عبارة ( العمل طبقا لهذه الفتاوى مبرئ للذمة ) . النتيجة إن كل من يطرح رسالته العملية فهو بالضرورة متصدٍ للمرجعية ويعتقد بكونه أعلما . إذن لماذا هذا الإختلاف بين العلماء أنفسهم ؟ أليس هم أولى الناس بالإتفاق وتطبيق الخطاب الوحدوي ؟ كيف سيتحد الشعب والساسة ؟ كيف سيجلس الآخرين على طاولة واحدة ولم يجلسوا هم أدامهم الله ؟ متى نصوم معا ونفطر معا ؟ متى يكون القرار السياسي موحدا حتى تتخذ العوام موقفا موحدا تجني من وراءه الخير والسلام ؟ متى ومتى ومتى ... ؟!!!
فيا مراجعنا العظام .. نقسم عليكم بالله العلي العظيم أن تنظروا فيما نقول واجلسوا معا جلسة حوار أو سجال أو مناظرة  أو ما شئتم تسميتها وحددوا الأعلم والأفقه من بينكم كي ترأفوا بدين الله أولا وبعباد الله ثانيا .. وقبل أن أسدل الحديث بودي إلفات الأذهان إلى مشروعية النقاش و( المناظرة ) بين أصحاب المذهب الواحد دفعا لمن يريد الخداع والتضليل وتصدير شبهة أن المناظرة بدعة وفتنة ومحضورة داخل المذهب الواحد وأبسط دليل على ردّ هذه الشبهة هو إطلاق الادلة التي أشارت إلى جواز المناظرة ولا يوجد تخصيص في المقام لذا فإن إطلاق الأدلة مقدم على تخصيص المضللين !












 26/ يناير/2012

 القلمُ النَدِيّ

أثير فرات الربيعي





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق