ليس
من السهل على مبتدأ مثلي أن يمعن النظر في رصف كلماتٍ تترجم عظمة سيدة
نساء العالمين وجلالة قدرها ويقف على الأبعاد الدقيقة لمآربها السامية..
وليس من الصواب أن نعتقد بأن الزهراء كانت مجرد بنت لسيد الكونين عليه وعلى
آله أفضل الصلاة والسلام .. فكيف يكون ذلك وقد وصفها صلى الله عليه وآله (
بأم أبيها ، ومن آذاها فقد آذاني ) وغيرذلك الكثير؟ وكيف يكون ذلك وقد
وصفها الإمام العسكري عليه السلام بأنها ( حجة الله على الحجج ) ؟ إذن وبكل
تأكيد الوقوف على جوانب وأسرار هذه الشخصية الربّانية لأمر في غاية
الصعوبة ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جلّه . وفي هذه الأسطر المتواضعة أود
الإشارة إلى مسألة أخذت حيزا مهما من التأريخ الإسلامي ، بل هي تفرض
أهميتها بنفسها ، ألا وهي قضية فدك والتي كانت الشرارة لإندلاع الثورة
الفاطية والتي تلوّنت بعدة الوان أوضحها اللون السياسي الغالب على أطوارها .
والواقع كانت فدك بالنسبة للزهراء عليها السلام ممرا وبابا تدخل منه الى
ما تصبوا إليه من مقصد عظيم وحق مغصوب دفعها مع ما لها من المنزلة العظيمة
في السماء قبل الأرض أن تدخل وبعض النسوة على الخليفة الأول ثائرة غضبة
تزعزع كلمات خطبتها المعصومة أركان النظام حيث وقفت لا يخالجها شكّ فيما
تقدم عليه ، لذا كان إختيار الثائرة لهذا الطريق مما يوافق طبعها ويلتئم مع
شخصيتها المركزة على الإنتصار للحق والإندفاع في سبيله والإلتياع لأجله .
فكانت فدك معنى رمزيا يرمز الى المعنى العظيم والمسألة ليست مسألة ميراث
ونِحلة بل هي في نظر الزهراء مسألة إسلام وكفر ، ومسألة إيمان ونفاق ،
ومسألة نص وشورى . ولو تأملنا الأخبار الواردة بهذا الصدد نجد أن الزهراء
عليها السلام كانت إنموذجا رائعا وفذّا لتمثيل ثورة الحق بوجه الباطل . حيث
أحدثت بواقعتها هذه ضجة تأريخية لم ولن تهدأ ، تفننت في صياغتها بأروع
السبل العلمية والعاطفية حتى تُفهم الجميع بأحقية مطلبها مستهوية القلوب
التي بات في نفوسها حبّ أبيها صلى الله عليه وآله وسلّم . ولكن للأسف هناك
الكثير ممن يحاول تمييع الحقيقة وسلبها جوهرها الاصيل معللا بعضهم ذلك بأن
الزهراء أجلّ من أن تطلب ما ليس لها بحق ، وأن الخليفة أجلّ من أن يسلبها
حقها الذي تقوم به البيّنة . وما أسفهه من قول ! فإذا كانت الزهراء أرفع من
كل تهمة فما حاجتها إلى البينة ؟! . وهل يعقل لمثل الزهراء أن يقدم على
هكذا امر وهو فارغ من الأدلة ؟! ثمّ أن مسألة تزكية الخليفة والزهراء معا
أمرا غير ممكن لأن الخصومة أخذت أشكالا مختلفة حتى بلغت حدّ الإتهام الصريح
من الزهراء وأقسمت على المقاطعة . بل حتى الخليفة الثاني أرجع فدك إلى علي
والعباس وهذا ما يدعم تورط الخليفة الأول . المهم وقع ما وقع .. وزعم
الجناة خوف الفتنة ( ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) .
نعم والله .. هي الفتنة بل وأم الفتن في نظر الزهراء لأنها الإنحراف عن
المسار الإلهي والخروج على الحكومة الإسلامية الشرعية القائمة في شخص هارون
النبي عليٍ عليهما أفضل الصلاة والسلام . هذه الفتنة التي لا زالت قائمة
إلى يومنا هذا تنخر في جسد الأمة التي أعرضت عن أوليائها وإجتهدت في عدائها
. ويفترض أن تكون هذه الواقعة الفدكية درسا بليغا متجددا مع تقدّم الأزمان
، تأخذ منه النساء قبل الرجال العظة والعبرة والعزم والإقدام على الهدف
التي أفنت الزهراء كل وجودها من اجله. مع وضع الأنظار أمام حقيقة لا ريب
فيها إن الأرض سيرثها المستضعفون ويكون سيد المستضعفين ( عجّل الله فرجه
الشريف ) قائدا فذّا للعالم بأسره وهو المذخور لدفع الظلامات التي وقعت بحق
الزهراء وبقية الطاهرين عليهم السلام .
2/ مارس/2012
القلمُ النَدِيّ
أثير فرات الربيعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق